قصة بداية الخلق - وقصة ادم عليه السلام في الجنة
الدكتور / طارق السويدان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هنا في هذه الصفحة سنتابع قصص الأنبياء و الرسل ، مُلخصة من كتاب الأنبياء للعلاّمة " إبن كثير "
قصة آدم عليه السلام
قبل خلق آدم عليه السلام ذكر الله تعالى للملائكة و خاطبهم قائلا :" إني جاعل في الأرض خليفة " و كان المراد هو خلق آدم عليه السلام و ذريته فسأل الملائكة قائلين " أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء " و كان هذا بناءا على ما قد علموا ممن كان قبل آدم من الجن.
و قد ذكر عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم يسفكوا الدماء ، و قد أكمل الملائكة قولهم في قوله تعالى " و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك " أي نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد ، فإن كان خلقهم من أجل عبادتك فها نحن لا ننقطع عن عبادتك ليلا و لا نهارا .
فأجابهم الله تعالى قائلا : " قال إني أعلم ما لاتعلمون " أي أني أعلم من المصلحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون ( ما لم تعرفوا ) و أنه يوجد منهم الأنبياء و المرسلون و الشهداء و الصالحون ، و من ثمَ بَيّنَ لهم شرف و مكانة و منزلة آدم عليهم في العلم فقال " و علم آدم الأسماء كلها "
و في تفسير كلمة ( الأسماء) جاء الكثير من التفسيرات:
قال ابن عباس : الأسماء هي الأسماء التي يتعارف بها الناس الآن مثل : إنسان ، دابة ، أرض ، سهل ، بحر ، جمل ، حمار و أشباه ذلك مما ورد عن الأمم غيرها
-قال مجاهد : عَلَمَه إسم كل دابة ، و كل طَير و كل شىء و كذلك قال سعيد بن جُبير و قتادة.
-قال الربيع : علمه أسماء الملائكة.
- قال عبد الرحمان بن زيد : علمه أسماء ذُريته .
-و الصحيح أنه علمه كل شىء كما ورد في الحديث الصحيح الذي ذكره البخاري و ما رواه مسلم من طريق سعيد و هشام عن قتادة عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو اِستشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، و أَسجدَ لك الملائكة ، و عَلَمك أسماء كلِ شىء " .
و قال تعالى : " ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئُوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" .و كان سبب نزولها هو أن الملائكة قالوا : لا يخلق ربنا خلقأ إلا كُنا أعلم منه ، و أدَّب الله الملائكة في قوله " إن كنتم صادقين " أي فيما إِدَعيتم مما ذكرنا سابقا.
التشريفات التي أُعطيت لسيدنا آدم عليه السلام
-خلقه بيده الكريمة .
- نَفَخه من روحه ، كما قال تعالى " فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "
- أمرالله تعالى الملائكة بالسجود له كما قال في كتابه : " فقعوا له ساجدين "
-علَّمَه أسماء الأشياء كما قال : " و علم آدم الأسماء كلها "
[الخلقة التي خلق عليها سيدنا آدم]
خلق الله سيدنا ادم جميل الشكل والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه وسلم( ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم إحسنهم وجها وأحسنهم صوتا)).
ولقد كان طول سيدنا ادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعاً شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يُحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ادم في الطول فقد ورد في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ادم ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع.
روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن الله عز وجل لما صور ادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك))، وعند أبي يعلي(فكان إبليس يمر به فيقول:لقد خلقت لأمر عظيم)).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان مسلما يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئا غير مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.
ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أن أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب
لقوله تعالى:فسيدنا ادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالىولم يكن أصله قرداً ثم ترقى حتى صار إنساناًفنظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الإنسان، هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن تلقفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفاً باطلا.
وما جاء في القرآن من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك وتعالى عذابا لليهود الذين اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة وعبرة للمتقين، قال الله تبارك وتعال في كتابه الحكيم: .
على أن أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلا بل عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلا من جنس ما مسخوا إليه.
ذكر إخراج أرواح ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق
روى النسائي وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله أخذ الميثاق من ظهر ادم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قُبُلا قالوروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد عن شعبة، عن أبي عمران عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شىء أكنت مفتديا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر ادم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي))، وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
فهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه سبحانه وتعالى ذرية ادم من ظهره كالذرّ ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد وأشهد عليهم أنفسهم.
إمتناع إبليس عن السجود لآدم
قال تعالى : " و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا . قال أرأيتك هذا الذي كرمتَ عليَّ لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنكن ذُريته إلا قليلا .قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا.و استفزز من استطعت منهم بصوتك و اجلب عليهم بخيلِك و رجلِك و شاركهم في الاموال و الأولاد و عدهم ، و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا . إن عبادي ليس لك عليهم سلطان . و كفى بربك وكيلا " سورة الأسرء:21-25
و قال تعالى في سورة الكهف : " و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني ".
و الذي مَنع إبليس من السجود لآدم الإستكبار و الغرور كما في قول الله تعالى : " إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين : قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين .قال لم أكُن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حما مسنون " و قد لعنه الله تعالى لكبره و غروره و لمخالفته لأوامر الله عز وجل كما قال في قوله تعالى " فأخرج فإنك رجيم و إن عليك اللعنة إلى يوم الدين " و في قوله : " اهبط منها " دليل على أنه كان في السماء فاُمِرَ بالهبوط منها و الخروج من المنزلة و المكانة التي كان قد نالها بعبادته ثُم سُلِبَ ذلك بكِبره و حسده و مخالفته لربه.
خلق حواء و إسكانها و آدم الجنة و خروجه منها
كان خَلٌق حواء قبل دخول سيدنا آدم الجنة كما ظَهَر في سياق الآيات الكريمة التي قال الله تعالى فيها : " و يا آدم أسكن أنت و زوجك الجنة " و قد خلقها الله تعالى من ضلع آدم و قد سأل الملائكة آدم ما إسمها ؟ فقال : هيَ حواء.قالوا : و لمَ هيَ حواء؟ قال : لأن الله خلقها من شىء حي ، و الدليل على أن الله خلق حواء من ضلع آدم
قال تعالى : " يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ..".
و في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إستوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرآة خلقت من ضلع ن و إن أعوج شىء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تُقيمه كسرته و إن تركته لم يزل أعوج ، فإستوصوا بالنساء خيرا " هذا لفظ البخاري.
و بعد دخول آدم إلى الجنة أوصاه بالحذر من الشيطان فهو عدو له و لزوجه كما قال تعالى " فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك و لزوجك فلا يُخرجنكما من الجنة فتشقى ".
كان آدم يحس الوحدة.. فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء. وأسكنهما الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.
لم يعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه يوما بعد يوم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .
تسائل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلا منها. نسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.
ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري. وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.
هبوط آدم وحواء إلى الأرض:
وهبط آدم وحواء إلى الأرض. سيدنا آدم الموقع الجغرافي في الهند وحواء في جدة بالمملكة العربية السعودية وتقابلا في جبل عرفات . واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الهوى.